الحج كما لم تعرفه من قبل: "إحرام مستدام" يجمع بين العبادة والحفاظ على البيئة

كتب بواسطة: محمود العادل | نشر في 

في خطوة لافتة تسهم في تحقيق أهداف الاستدامة البيئية خلال موسم الحج، أعلنت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، تفعيل مبادرة "إحرام مستدام" لموسم حج 1446هـ، بالتعاون مع المركز الوطني لإدارة النفايات.

وتُعد هذه المبادرة واحدة من الجهود النوعية الرامية إلى تقليل التلوث البيئي، والاستفادة من فائض المنسوجات، وتعزيز ثقافة إعادة الاستخدام بين الحجاج والجهات العاملة في المشاعر المقدسة.

وتهدف مبادرة "إحرام مستدام" إلى جمع وفرز وإعادة تدوير الإحرامات المستخدمة من قبل الحجاج بعد التحلل من النسك، بالإضافة إلى السجاد والحقائب المصاحبة، ثم إعادة تصنيعها وتوزيعها بطرق مبتكرة تخدم البيئة وتواكب التطورات العالمية في مجال الاقتصاد الدائري.

وتُنفذ المبادرة من خلال فرق متخصصة تعمل ميدانيًا داخل حدود الحرم، وفي المناطق المحيطة التي تشهد كثافة بشرية عالية خلال أيام الحج، حيث تتولى هذه الفرق جمع الفائض من الإحرامات، وإخضاعها لعمليات فرز دقيقة، ثم إرسالها إلى مراكز متقدمة لإعادة التدوير وإنتاج مواد جديدة قابلة للاستخدام مرة أخرى.

وتسهم المبادرة في تقليل كمية النفايات الناتجة عن موسم الحج، الذي يشهد سنويًا ملايين الحجاج، وما يصاحب ذلك من استهلاك هائل للملابس والمستلزمات الشخصية التي غالبًا ما تُستخدم لمرة واحدة فقط، ومن خلال هذه الخطوة، يتم تعزيز مفهوم "الاستهلاك المسؤول"، وتشجيع الحجاج على المساهمة في حماية البيئة، حتى بعد انتهاء مناسكهم.

كما تعمل هذه المبادرة على تقليص النفايات المنسوجة التي يصعب تحللها في البيئة، والتي تُعد من بين أخطر أنواع المخلفات على المدى الطويل، ووفقاً للهيئة، فإن إعادة تدوير الإحرامات سيسهم بشكل مباشر في خفض الأثر الكربوني، وتحقيق أهداف المملكة في رؤية 2030 فيما يخص الاستدامة والبيئة.

وقد تم إطلاق "إحرام مستدام" بالتعاون مع المركز الوطني لإدارة النفايات، الذي يعد الجهة المسؤولة عن تنظيم ومراقبة جميع الأنشطة المتعلقة بإدارة النفايات في المملكة، ويأتي هذا التعاون ليعكس تكامل الجهود الحكومية في سبيل تطوير منظومة متكاملة لإدارة النفايات، تشمل الجوانب البيئية والصحية والاجتماعية.

وأكدت الهيئة في بيانها أن المبادرة ليست فقط خطوة نحو بيئة أنظف، بل هي كذلك منصة توعوية للحجاج وجميع العاملين في موسم الحج، لتعزيز الثقافة البيئية، وتغيير النظرة التقليدية تجاه النفايات، وتحويلها إلى موارد اقتصادية قابلة للاستثمار.

وتُعد هذه المبادرة جزءًا من استراتيجية شاملة تنفذها الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، تهدف إلى تحويل الحرمين الشريفين إلى نموذج رائد في التوازن بين تقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن والحفاظ على البيئة في آنٍ واحد.

وفي هذا السياق، نفذت الهيئة على مدى الأعوام الماضية عددًا من البرامج والمشروعات التي تعزز الاستدامة داخل الحرمين، شملت استخدام منتجات صديقة للبيئة في التنظيف، وتطبيق أنظمة لترشيد استهلاك المياه والكهرباء، وتوفير أدوات بلاستيكية قابلة للتحلل، بالإضافة إلى تشجيع المبادرات التطوعية المرتبطة بالحفاظ على البيئة.

وشددت الهيئة على أن نجاح هذه المبادرة يعتمد بدرجة كبيرة على وعي الحجاج وتفاعلهم الإيجابي معها، حيث دعت الحجاج إلى تسليم الإحرامات التي انتهى استخدامها في النقاط المخصصة بدلاً من التخلص منها بطريقة عشوائية، ما يسهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف المبادرة.

ولتحقيق هذا الهدف، أطلقت الهيئة بالتعاون مع شركائها حملات توعوية باللغات المختلفة لتثقيف الحجاج بأهمية إعادة التدوير، وتشجيعهم على تبني سلوكيات بيئية إيجابية أثناء وبعد أداء المناسك.

وتأتي هذه المبادرة في وقت تشهد فيه المملكة العربية السعودية اهتمامًا متزايدًا بقضايا الاستدامة، خصوصًا في القطاعات المرتبطة بالحج والعمرة، حيث يتم العمل بشكل منهجي لتحويل موسمي الحج والعمرة إلى مناسبات دينية خالية من الهدر ومراعية للبيئة.

وبهذه الخطوة، ترسخ الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي دورها الرائد في قيادة التحول نحو موسم حج أكثر خضرة، عبر ابتكارات عملية تعكس التزامها تجاه البيئة والإنسان والمكان.

وفي ضوء هذه الجهود، يتضح أن مبادرة "إحرام مستدام" ليست مجرد مشروع بيئي، بل هي تحول نوعي في كيفية التعامل مع متطلبات الحج، بطريقة تحترم قدسية المكان وتواكب التقدم البيئي العالمي.

ومن المتوقع أن تسهم هذه الخطوة في ترسيخ نموذج جديد يُحتذى به عالميًا في إدارة الحشود الدينية، بطريقة تراعي الاستدامة وتكرّس ثقافة بيئية قائمة على الوعي والمسؤولية الجماعية.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية