ألسنة لهب من الشمس تلوح في سماء أبوظبي .. مرصد الختم يوثق المشهد النادر

في مشهد فلكي نادر ومثير، وثّق مرصد الختم الفلكي بأبوظبي ظهر الأربعاء 18 يونيو 2025 نشاطاً شمسياً لافتاً، من خلال مقطع فيديو قصير لا تتجاوز مدته عشرين ثانية، إلا أنه يكشف آلاف الصور المتتابعة التي التُقطت على مدى ساعة ونصف من المراقبة الدقيقة للشمس، مستخدماً تقنيات متطورة ومعدات فلكية عالية الحساسية.
وجاء هذا التوثيق في وقت تتزايد فيه اهتمامات الأوساط العلمية والفلكية بالنشاطات الشمسية، خاصة مع توقعات بارتفاع مستوى النشاط الشمسي خلال السنوات القادمة، ما يعزز أهمية الرصد الدقيق والمبكر لهذه الظواهر، التي يمكن أن يكون لها تأثيرات غير مباشرة على الأرض، منها تذبذب الاتصالات وتأثر أنظمة الملاحة الفضائية.
وكان مدير مرصد الختم الفلكي، المهندس محمد عودة، هو من التقط هذا المقطع النادر، حيث أوضح أن الفيديو يتكون من 203 صور متتابعة، تفصل بين كل صورة والأخرى 20 ثانية تقريباً، مشيراً إلى أن كل واحدة من هذه الصور عبارة عن دمج لـ 200 إطار فلكي دقيق، ليصل إجمالي عدد الصور التي تم التقاطها إلى ما يقارب 40 ألف صورة.
وأكد المهندس عودة أن عملية التصوير تمت باستخدام تلسكوب شمسي متخصص يعرف بتلسكوب "هيدروجين ألفا"، يبلغ قطر عدسته نحو 60 ملم، وهو مصمم خصيصاً لمراقبة الطبقات الخارجية للشمس، ويتميز بقدرته على كشف تفاصيل لا يمكن للتلسكوبات العادية رصدها، مثل المقذوفات النارية وألسنة اللهب التي تنبعث من حواف الشمس.
وأشار عودة إلى أن الكاميرا الفلكية التي تم استخدامها توفر جودة عالية للصورة حتى عند التكبير باستخدام الهواتف الذكية، ما يسمح للمشاهدين بالتقرب من التفاصيل الدقيقة للمشهد من دون أن يفقد وضوحه، وهو ما يمنح هذا التوثيق قيمة علمية وتعليمية استثنائية.
ويظهر المقطع المصور بشكل واضح عدداً من ألسنة اللهب أو ما يعرف بـ (Prominences) التي تتوهج على حواف الشمس، إلى جانب الأشواك الشمسية الصغيرة (Spicules) التي تنتشر على كامل الحافة الشمسية، كما يمكن ملاحظة الأشرطة الشمسية الداكنة (Filaments) التي تندمج في الطبقة الشمسية العليا، إضافة إلى بعض البقع الشمسية النشطة.
وأوضح عودة أن هذه الظواهر جميعها تنتمي إلى الطبقة الشمسية المسماة بالطبقة اللونية (Chromosphere)، وهي الطبقة التي تقع مباشرة فوق الطبقة الضوئية (Photosphere)، والتي تمثل الطبقة المرئية للشمس بالعين المجردة، مشيراً إلى أن هذه الطبقة تظهر بوضوح من خلال التلسكوب المتخصص، وتكشف عن مكونات ديناميكية للشمس لا يمكن ملاحظتها بالوسائل التقليدية.
واعتبر عودة أن توثيق هذا النشاط الشمسي من أبوظبي يُعد إنجازاً علمياً محلياً، حيث تسهم مثل هذه المبادرات في دعم الأبحاث الفلكية في المنطقة، وتشجيع المجتمع على التفاعل مع علم الفلك، خاصة في ظل الاهتمام المتزايد من الجهات التعليمية والبحثية في دولة الإمارات بمجال الفضاء والفلك.
وأكد أن الفريق العامل على هذا التوثيق ضم مجموعة من المتخصصين في المرصد، وهم: أسامة غنّام، أنس محمد، وخلفان النعيمي، الذين ساهموا جميعاً في عمليات الرصد والمعالجة الرقمية للصور، مضيفاً أن العمل الجماعي والتقني الدقيق هو ما مكّن من إخراج الفيديو بهذه الجودة والدقة الفائقة.
ويُذكر أن مرصد الختم الفلكي يُعد من أبرز المراصد الفلكية في الإمارات، ويقع في منطقة الختم جنوب مدينة أبوظبي، ويتميز ببنية تحتية متطورة تشمل تلسكوبات متخصصة وأنظمة مراقبة فلكية تتيح تسجيل وتحليل الظواهر السماوية المختلفة، وهو ما جعله مرجعاً مهماً للباحثين والهواة على حد سواء.
ويأتي هذا الإنجاز في وقت تتصاعد فيه أهمية مراقبة الشمس عن كثب، خاصة مع دخولها في دورة نشاط شمسية جديدة من المتوقع أن تكون أكثر حدة من الدورة السابقة، مما يفرض على المراصد العالمية والمحلية تكثيف عمليات الرصد والتوثيق لتطورات النشاط الشمسي، ومتابعة الظواهر المصاحبة له بدقة علمية.
كما أن هذه الظواهر ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأحوال الفضائية المحيطة بالأرض، حيث يمكن لألسنة اللهب والمقذوفات الشمسية أن تطلق كميات ضخمة من الجسيمات المشحونة نحو الفضاء، مما يؤدي أحياناً إلى حدوث عواصف شمسية قد تؤثر على الأقمار الصناعية ومحطات الاتصالات.
وفي السياق ذاته، تعتبر عملية دمج الصور الفلكية في فيديو واحد أمراً تقنياً معقداً، يتطلب دقة عالية في توقيت اللقطات ومعالجتها، وهو ما تم تنفيذه بدقة شديدة في هذا التوثيق، مما أتاح إظهار حركة اللهب الشمسي بشكل يبدو وكأنه مشهد سينمائي حي، رغم أنه في الأصل نتاج آلاف الصور الثابتة.
وتظهر أهمية هذه التوثيقات في تعزيز الوعي العام بعلوم الفضاء، وتحفيز الجيل الجديد على التوجه نحو المجالات العلمية الدقيقة، إذ يمكن لمشهد مثل هذا أن يكون نقطة تحول في إدراك الكثيرين لأهمية العلوم الفلكية ودورها في فهم الكون والظواهر الطبيعية الكبرى.
وتحرص دولة الإمارات، عبر مؤسساتها العلمية والفلكية، على تقديم نماذج ملهمة في مجال التوثيق الفضائي، انطلاقاً من استراتيجية وطنية تستهدف أن تكون الدولة مركزاً إقليمياً للبحوث الفضائية، ويُعد مرصد الختم الفلكي أحد الأذرع المهمة لتحقيق هذا الهدف، من خلال تسليط الضوء على الظواهر الفلكية وتقديمها بأسلوب علمي مبسط للجمهور.
وتُظهر هذه المبادرة حرص المختصين على الاستفادة من الفرص المناخية المثالية التي توفرها سماء الإمارات، خاصة في المناطق الصحراوية التي تقل فيها نسبة التلوث الضوئي، مما يتيح عمليات رصد أوضح وأكثر دقة للنجوم والكواكب والنشاطات الشمسية.
ويُنتظر أن يلقى هذا الفيديو رواجاً واسعاً في الأوساط الفلكية والتعليمية، إذ من المرجح أن يُستخدم كمادة تعليمية لطلبة الفيزياء والفلك، كما يمكن توظيفه في الندوات والمعارض العلمية لعرض النشاطات الشمسية بشكل بصري مبهر، يخاطب الحواس ويثير الفضول العلمي لدى المشاهد.
وقد أكد المهندس عودة أن المرصد سيواصل مهامه في مراقبة الشمس وغيرها من الظواهر السماوية، معتبراً أن هذا النوع من العمل ليس ترفاً علمياً، بل ضرورة لفهم تأثيرات الشمس على الأرض، وخاصة في عصر تتزايد فيه الاعتمادية على التكنولوجيا التي قد تتأثر بالعوامل الفضائية.
- ضبط مخالفين لنظام البيئة في تبوك .. ماذا وجد الأمن أثناء تفتيش الموقع؟
- هكذا تحمي الدولة مواطنيها من الاحتيال .. النيابة العامة تكشف مهام نيابة الاحتيال المالي
- أسعار الرحلات في "الخطوط السعودية" في أيام "عيد الفطر".. استغل العروض الآن
- مسؤول سعودي يكشف | الموارد البشرية السعودية تعمل بالشراكة مع القطاع الخاص وجهات إشرافية
- قبل كلاسيكو الشباب | تطورات عاجلة في إصابة نجوم الاتحاد السعودي المحترفين