التحول الرقمي في موسم الحج: منصات وتطبيقات ذكية تُسهل رحلة ضيوف الرحمن

كتب بواسطة: صلاح الأحمر | نشر في

في كل موسم حج، تجدد المملكة العربية السعودية عهدها بخدمة ضيوف الرحمن، مستندةً إلى إرث عريق في العناية بالحرمين الشريفين، ومتسلحة برؤية طموحة تستشرف المستقبل عبر بوابة التحول الرقمي، وفي هذا السياق، باتت التقنيات الحديثة تمثل أحد أبرز ملامح موسم الحج، خاصة في المدينة المنورة، التي تستقبل آلاف الحجاج القادمين من مختلف بقاع الأرض، ليجدوا أنفسهم أمام تجربة استثنائية، تمزج بين روحانية المشاعر الدينية وحداثة الوسائل التكنولوجية.

ولم يعد التحول الرقمي مجرد تحسين إضافي في موسم الحج، بل أصبح ركيزة أساسية في إدارة الحشود، وتسهيل تنقلات الحجاج، وتقديم الخدمات الصحية والإرشادية، في مشهد يعكس التقدم الكبير الذي أحرزته المملكة في توظيف التقنية لخدمة الحجاج، فابتداءً من لحظة وصول الحاج إلى مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي في المدينة المنورة، تبدأ رحلة متكاملة من الخدمات الرقمية، التي تُدار وفق أعلى معايير الكفاءة والدقة.

ومن أبرز ملامح هذا التحول، ما شهده موسم حج هذا العام من تكامل بين المنصات الذكية، والتطبيقات التفاعلية، التي توفر للحاج تجربة مرنة وآمنة، سواء في إجراءات الدخول، أو في أداء الشعائر، أو في التنقل بين الأماكن المقدسة والمعالم الإسلامية في المدينة.

وتتصدر منصة نسك قائمة الأدوات الرقمية التي أحدثت فرقًا ملموسًا في تجربة الحجاج، حيث تتيح المنصة حجز مواعيد زيارة الروضة الشريفة والصلاة فيها، وتعمل على تنظيم الوقت بطريقة دقيقة تتوافق مع الطاقة التشغيلية اليومية للموقع، ما أسهم في تقليل الازدحام، وتحقيق أقصى درجات الانسيابية في أداء الشعائر، دون الحاجة إلى انتظار طويل أو تزاحم في المواقع.

وتُعد نسك نموذجًا ناجحًا لتكامل البيانات والخدمات، فهي لا تكتفي بالحجوزات، بل توفر معلومات فورية للحاج بعدة لغات، ما يعزز من قدرته على التخطيط لحركته والتنقل بين الأماكن بسلاسة تامة، وفي ظل الأعداد الكبيرة للحجاج، تبرز أهمية تأمين رعاية صحية فورية ودقيقة، وهنا تلعب التطبيقات الصحية دورًا محوريًا، وعلى رأسها تطبيق "توكلنا"، الذي أصبح أداة موثوقة للوصول السريع إلى المراكز الصحية القريبة، حجز المواعيد، وطلب الخدمات الإسعافية، مما يتيح للجهات المختصة تقديم العناية الطبية في الوقت والمكان المناسبين، بناءً على بيانات دقيقة يتم تحديثها لحظيًا.

كما أسهمت تقنيات الذكاء الاصطناعي، المدمجة في بعض المنصات الرسمية، في توفير خدمة استشارات فورية بلغات متعددة، تُمكن الحاج من الاستفسار عن أي تفاصيل تتعلق بالمناسك، أو الإرشادات العامة، والحصول على إجابات دقيقة في ثوانٍ معدودة.

وواحدة من التحديات التي يواجهها الحجاج هي التنقل في أماكن قد يزورونها للمرة الأولى، وهنا تتدخل الخرائط التفاعلية الدقيقة، التي توفرها عدة تطبيقات رسمية، لتقدم للحاج دليلًا مرئيًا للوصول إلى المسجد النبوي ومداخله، أو إلى معالم المدينة المنورة مثل مسجد قباء، وجبل أحد، ومواقع النقل الترددي والمرافق العامة.

وتُحدّث هذه الخرائط باستمرار، لتشمل التغيرات الطارئة على مسارات الحشود أو أوقات الذروة، ما يضمن للحاج تجربة تنقل آمنة وسلسة دون ضياع أو ارتباك، وتخضع المنصات الرقمية لحج هذا العام لعمليات تطوير دورية تعتمد على تحليل بيانات الاستخدام الفعلي، وملاحظات الحجاج، مما يجعل عملية التحسين مستمرة وقائمة على معطيات واقعية.

وتأتي هذه الجهود ضمن شراكة استراتيجية تقودها وزارة الحج والعمرة، بالتعاون مع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا"، وبمشاركة عدة جهات حكومية، وهو ما يضمن توافق هذه المنصات مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تضع خدمة ضيوف الرحمن في صدارة أولوياتها.

وتمثل المدينة المنورة بوابة روحية وتاريخية للحجاج، ومن هنا تأتي أهمية تهيئة تجربتهم فيها بما يليق بمكانتها، حيث يجد الزائر نفسه أمام منظومة متكاملة من الخدمات الرقمية، تبدأ من لحظة وصوله، وتمر عبر أماكن السكن، ومواقع الزيارة، وحتى أداء الشعائر داخل المسجد النبوي الشريف، وبينما تمضي المملكة في مسارها الطموح نحو تحقيق أقصى درجات الكفاءة في إدارة الحشود، فإن مدينة الرسول تشهد كل عام نقلة نوعية في مستوى الخدمات، تجعل منها نموذجًا يحتذى في دمج التقنية بالخدمة الإنسانية.

إن التحول الرقمي في موسم الحج لم يعد ترفًا تكنولوجيًا، بل أصبح ضرورة ملحة، واستثمارًا استراتيجيًا يؤتي ثماره في كل موسم، فبينما يقف الحاج بخشوع في رحاب المدينة المنورة، تحيط به خدمات ذكية لا يشعر بوجودها، لكنها تسهم في راحته وأمنه وطمأنينته، وبهذا، تؤكد المملكة من جديد ريادتها في تقديم تجربة حج استثنائية، تُجسد التقاء الإيمان بالتقدم، والعبادة بالابتكار.

اقرأ ايضاً