إذا اجتمع العيدان: ما حكم إقامة صلاة الجمعة في يوم عيد الأضحى؟ علماء الشريعة يوضّحون

ما حكم إقامة صلاة الجمعة في يوم عيد الأضحى؟
كتب بواسطة: محمود العادل | نشر في 

في سابقة تتكرر كل عدة سنوات، يتوافق أول أيام عيد الأضحى هذا العام 1446هـ مع يوم الجمعة، مما دفع الكثير من المسلمين إلى التساؤل عن الحكم الشرعي لإقامة صلاة الجمعة في حال اجتمعت مع صلاة العيد، وهذا التوافق الزمني يطرح إشكالًا فقهيًا دقيقًا يتجدد عند كل تكرار، في ظل انشغال المسلمين بخطبة العيد وذبح الأضاحي واستقبال ضيوفهم ومظاهر الفرح والاحتفاء.

 وقد اتفق جمهور العلماء من المذاهب الأربعة — الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة — على أن صلاة العيد لا تُغني عن صلاة الجمعة، بل إن الجمعة تبقى فريضة قائمة يجب أداؤها في وقتها، ويرى هؤلاء العلماء أن النصوص الواردة في فرضية صلاة الجمعة عامة ولم تُستثنَ منها أيام العيد، وأن تعطيل صلاة الجمعة بسبب العيد لا يقوم على أصل شرعي واضح إلا في حالات مخصوصة.

ومع ذلك، فقد ورد في المذهب الشافعي تخفيف خاص لأهل القرى النائية الذين شهدوا صلاة العيد في المدن أو المناطق المركزية، حيث رُخّص لهم في ترك صلاة الجمعة بسبب بعد المسافة، على أن يصلوا صلاة الظهر بدلًا منها في أماكنهم.

وفي كتاب "المغني" للإمام ابن قدامة، أحد المراجع الفقهية المعتمدة، جاء ما نصه: "وإن اتفق عيد في يوم جمعة، سقط حضور الجمعة عمّن صلى العيد، إلا الإمام، فإنها لا تسقط عنه، إلا أن لا يجتمع له من يصلي بهم الجمعة"، وهذا القول يشير إلى نوع من التيسير، لكنه يشدد على ضرورة التزام الإمام بإقامة الجمعة لمن يحضر، حتى لا تُعطّل الشعيرة بالكامل.

وعند النظر في المسألة من زاوية أكثر تفصيلًا، نجد أن شيخ الإسلام ابن تيمية — رحمه الله — قد جمع أقوال العلماء في ثلاثة آراء أساسية:

1. وجوب الجمعة على من صلى العيد، وهذا القول يستند إلى عموم الأدلة التي تُوجب صلاة الجمعة، دون استثناء أيام العيد.

2. سقوط الجمعة عن أهل البوادي والقرى البعيدة، وهو رأي يستند إلى ما فعله الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه حين رخّص لأهل البادية بعد حضور العيد في ترك صلاة الجمعة والعودة إلى أماكنهم.

3. الرأي الراجح بحسب شيخ الإسلام، وهو أن من صلى العيد سقطت عنه الجمعة، لكنه يصلي الظهر في وقتها، إلا الإمام، فعليه أن يقيم صلاة الجمعة لمن حضر، واستشهد ابن تيمية بحديث النبي ﷺ: "اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أن يشهد الجمعة فليشهد، فإنا مجمّعون". 

وأشار ابن تيمية إلى أن إلزام الناس بصلاة الجمعة في هذا اليوم قد يُضيّق عليهم مقاصد العيد من الانبساط والفرح واللقاء بالأرحام، موضحًا أن الشريعة إذا اجتمعت فيها عبادتان من جنس واحد، جُعلت إحداهما مكان الأخرى تحقيقًا للتيسير دون الإخلال بالأصل.

ومن جهته، أوضح سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز — رحمه الله — أن من حضر صلاة العيد يوم الجمعة، فله رخصة في ترك صلاة الجمعة، شريطة ألا يهمل الصلاة تمامًا، بل يجب عليه أن يصلي الظهر في وقتها، وقال: "إذا وافق العيد يوم الجمعة، جاز لمن حضر العيد أن يصلي جمعة، أو يكتفي بصلاة الظهر، لكن لا يجوز ترك الصلاة تمامًا". 

وشدد ابن باز على أن الإمام لا تسقط عنه الجمعة، ويجب عليه أن يقيم الصلاة إن حضر معه من المصلين ما يكفي لإقامتها شرعًا (ثلاثة أشخاص فأكثر)، وإن لم يتيسر العدد، يصلي ظهرًا بدلًا من الجمعة.

وفي ضوء ما سبق، يمكن تلخيص الحكم الشرعي في ثلاث نقاط أساسية:

الأصل والأحوط: أداء صلاة الجمعة وعدم تركها، امتثالًا للنصوص العامة ولرأي جمهور العلماء.

الرخصة المقررة: جائزة لمن صلى العيد، بشرط أداء صلاة الظهر وعدم تركها كليًا.

واجب الإمام: إقامة صلاة الجمعة بمن حضر من المصلين، وعدم تعطيلها إلا عند تعذر إقامتها.

وتشير هذه الأحكام إلى حرص الشريعة الإسلامية على التوازن بين أداء العبادات في أوقاتها، ومراعاة التيسير المشروع على الناس، خصوصًا في مواسم الأعياد التي تحمل أجواء احتفالية واجتماعية كبيرة.

وفي ظل هذا التوجيه الشرعي، يُنصح المسلمون بالاطلاع على الفتاوى الصادرة عن الجهات الرسمية والمراجع المعتبرة في بلدانهم، ومراعاة ضوابط الفقه عند اتخاذ القرار بين أداء صلاة الجمعة أو الاكتفاء بالظهر بعد صلاة العيد.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية