مفاجأة في نظام التعليم بالشارقة .. تجربة جديدة تغير حياة المعلمين في الإمارات

مفاجأة في نظام التعليم بالشارقة.
كتب بواسطة: سلوى سعيد | نشر في 

تخوض هيئة الشارقة للتعليم الخاص تجربة جديدة من نوعها في العالم العربي، حيث بدأت العمل على تقييم شامل لنظام العمل لأربعة أيام أسبوعيًا في المدارس الخاصة، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، وتأتي هذه الخطوة بعد ثلاث سنوات من تطبيق النظام، في محاولة لقياس تأثيره على جودة التعليم، والرفاه الشخصي، والتوازن الحياتي، والكفاءة المهنية للعاملين.

وهذا التقييم غير المسبوق، الذي انطلق من أرض الشارقة، يعكس توجهاً عالمياً نحو إعادة النظر في أنماط العمل التقليدية، ويضع الإمارة في موقع ريادي ضمن المنطقة العربية، حيث تسعى إلى مواءمة التطورات الاجتماعية والمهنية مع واقع التعليم الحديث، في ظل تحديات متغيرة تفرض البحث عن حلول مبتكرة.

وبدأت الهيئة بإطلاق استبانة موسعة تشمل جميع العاملين في المؤسسات التعليمية الخاصة بالإمارة، تهدف إلى جمع تغذية راجعة من الميدان مباشرة، من معلمين وإداريين، يعايشون النظام يومًا بيوم، ويدركون تفاصيله الدقيقة، وتأثيره الفعلي على بيئة العمل ومخرجات التعلم.

وقد أوضحت الهيئة في تعميمها الرسمي الصادر يوم 11 يونيو الجاري، أن الدراسة تعد امتدادًا لمبادرة نوعية أطلقتها الهيئة قبل ثلاث سنوات، تهدف إلى تعزيز الإنتاجية وتحقيق توازن أفضل بين الحياة الشخصية والمهنية، مع تأكيدها على سرية جميع الردود، وعدم الكشف عن هوية المشاركين في التقييم.

وتبدأ الاستبانة بجمع معلومات ديموغرافية أساسية مثل اسم المؤسسة، الجنس، الحالة الاجتماعية، الفئة العمرية، الجنسية، الإمارة، والمسمى الوظيفي، إلى جانب عدد الحصص اليومية والأسبوعية، وملاءمة هذا العبء التدريسي للموظف، وهو ما يُعد مدخلًا مهمًا لفهم السياق الفردي والمؤسسي الذي يعمل فيه المشاركون.

ويمتد التقييم ليشمل محورًا بالغ الأهمية يتمثل في مخرجات التعلم، حيث يُطلب من المشاركين تقييم أثر نظام الأربعة أيام على سلوكيات الطلبة، من حيث دافعيتهم للتعلم، مدى انتظامهم في الحضور، مشاركتهم في الأنشطة، قدرتهم على التعلم الذاتي، ومدى التزامهم بالواجبات والمشاريع التعليمية المختلفة.

كما تشمل الاستبانة محورًا يتعلق بالرفاه والسعادة الشخصية، حيث تُطلب آراء المشاركين حول ما إذا كان هذا النظام يتيح لهم فرصًا حقيقية لقضاء وقت نوعي مع العائلة، أو ممارسة الرياضة، أو الاستمتاع داخل الدولة، أو تحقيق توازن نفسي واجتماعي أفضل مقارنة بالنظام التقليدي.

ولا يتوقف التقييم عند هذا الحد، بل يتعمق في تحليل الكفاءة التشغيلية من زاويتين: الأولى تتعلق بالمؤسسة، حيث يتم قياس جودة القيادة المدرسية والتنسيق بين الأقسام، والثانية تتعلق بالفرد، حيث يتم رصد مدى شعور العاملين بالدافعية، وقدرتهم على الإنجاز، ومدى رضاهم عن أدائهم المهني.

ومن النقاط المثيرة في التقييم، أن الاستبانة تطرح أسئلة حول كيفية استثمار يوم العطلة الإضافي، ما إذا كان يُستخدم في برامج التطوير المهني، أو في ممارسة الهوايات، أو الراحة، أو حتى في العمل التطوعي، مما يعطي صورة أشمل عن تأثير النظام على جودة الحياة المهنية والشخصية للمعلمين والعاملين.

وتُختتم الاستبانة بسؤال مفتوح يتيح للمشاركين تقديم ثلاث توصيات عملية لتحسين النظام، وهو ما يُعزز من قيمة المشاركة ويمنح العاملين مساحة للتعبير عن مقترحاتهم بواقعية، بعيدًا عن الإملاءات أو القوالب الجاهزة، في خطوة تؤكد على أهمية إشراك أهل الميدان في صياغة السياسات التعليمية.

وقد دعت الهيئة جميع المدارس الخاصة في الإمارة إلى ضمان مشاركة كل موظفيها، وتوفير الوقت اللازم لذلك، وأكدت أن آخر موعد للمشاركة هو يوم 21 يونيو الجاري، بما يمنح الفرصة لتجميع عدد كبير من الآراء يمثل مختلف التخصصات والمستويات الوظيفية في الميدان.

ويأتي هذا التقييم بعد مرور ثلاث سنوات على بدء العمل بالنظام الجديد، وهو ما يتيح وقتًا كافيًا لرصد التأثيرات العميقة، سواء على الأداء الأكاديمي للطلبة أو على جودة حياة المعلمين، مما يجعل من هذه التجربة مرجعًا مهمًا ليس فقط لإمارة الشارقة، بل لدول أخرى تفكر في خوض تجربة مماثلة.

وتراهن الهيئة على أن نتائج هذه الاستبانة ستشكّل قاعدة بيانات أساسية لدعم صُنّاع القرار، في صياغة سياسات تعليمية مستدامة، تعزز من مكانة التعليم في الإمارة، وتراعي متطلبات العصر واحتياجات الأفراد، في ظل سعي دائم لتطوير بيئة تعليمية متوازنة.

وفي الوقت الذي ما زالت فيه الكثير من الدول تعتمد النظام التقليدي القائم على خمسة أو ستة أيام عمل في الأسبوع، تبدو الشارقة وكأنها تمضي بخطى واثقة نحو نمط جديد، ربما يُحدث نقلة نوعية في مفهوم العمل التربوي، ويُعيد تعريف العلاقة بين المعلم، والمتعلم، والمؤسسة التعليمية.

ولا يغيب عن المشهد السياق العالمي، حيث بدأت بعض الدول والشركات الكبرى في أوروبا وآسيا تجربة نماذج عمل مشابهة، تحقق كفاءة إنتاجية عالية مقابل عدد ساعات عمل أقل، وهو ما يعطي لتجربة الشارقة بعدًا إضافيًا يرتبط بالحراك العالمي المتزايد نحو أنظمة مرنة وأكثر إنسانية.

وبين مؤيد يرى في النظام فرصة لتحسين جودة الحياة، ومعارض يشكك في جدواه على صعيد التحصيل الدراسي، يبدو أن نتائج هذا التقييم المنتظر ستكون حاسمة، في رسم ملامح مستقبل التعليم في الإمارة، وربما خارجها أيضًا، إذا أثبتت التجربة نجاحها وقابلية تعميمها.

ولا شك أن الاهتمام العالمي بهذه التجربة، خاصة مع مشاركة جهة دولية بحجم اليونسكو، يمنحها مصداقية واسعة، ويؤكد على أهمية ما يجري خلف أسوار المدارس الخاصة في الشارقة، التي تتحول اليوم إلى مختبر حقيقي لتجربة تربوية غير تقليدية.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية