لمتابعة الحالة الصحية للحجاج في مكة المكرمة: تقنيات طبية حديثة

لمتابعة الحالة الصحية للحجاج في مكة المكرمة: تقنيات طبية حديثة.
كتب بواسطة: حاتم الصهيب | نشر في 

في خطوة تعكس التطور الهائل في مستوى الخدمات الصحية المقدمة لضيوف الرحمن، شهدت مكة المكرمة مؤخرًا استخدام تقنيات طبية حديثة أسهمت في إنقاذ حياة حاج من جمهورية إندونيسيا كان على وشك التعرض لمضاعفات صحية خطيرة، مما مكّنه من استكمال مناسك الحج في ظروف آمنة وصحية، ضمن إطار جهود المملكة العربية السعودية المتواصلة لتعزيز جودة الخدمات الطبية وتوفير رعاية صحية متكاملة خلال موسم الحج، تحقيقًا لأهداف رؤية المملكة 2030.

وكان الحاج الإندونيسي قد نُقل على وجه السرعة إلى مدينة الملك عبدالله الطبية بالعاصمة المقدسة – وهي إحدى المنشآت الطبية التابعة لتجمع مكة المكرمة الصحي – بعد أن ورد طلب إحالة عاجل عبر منصة "إحالتي"، وهي المنصة الوطنية التي تربط جميع مستشفيات المملكة، وتُعد جزءًا من نظام الرعاية العاجلة ضمن نموذج الرعاية الصحية السعودي المتكامل.

فقد وصل الحاج إلى المستشفى وهو يعاني من تسمم دموي حاد ناتج عن انسداد صفراوي حرج، تَبيّن لاحقًا أنه ناتج عن ورم في البنكرياس امتد تأثيره إلى المعدة والأمعاء الدقيقة، وهي حالة صحية معقدة تستلزم تدخلاً فوريًا وعالي الدقة لإنقاذ حياة المريض ومنع تفاقم حالته، وعلى الفور، تم تنويم الحاج في وحدة العناية الحرجة تحت إشراف فريق طبي متخصص.

ووفقًا لبيان تجمع مكة المكرمة الصحي، فقد تولى فريق من مركز الجهاز الهضمي والكبد والمناظير المتقدمة بقيادة استشاري الجهاز الهضمي والكبد ومدير برنامج زمالة المناظير الدكتور محمد سعيد خان، تنفيذ عملية تشخيص دقيقة باستخدام واحدة من أحدث تقنيات التنظير في العالم، وهي تقنية التنظير المجهري الدقيق (SpyGlass)، التي تمكّن الأطباء من تشخيص الأورام ومشكلات القنوات الصفراوية بدقة عالية جدًا، مما ساعد في وضع خطة علاجية مناسبة.

وقد قام الفريق الطبي ضمن الخطة العلاجية السريعة، بتنفيذ توسيع بالوني للقناة الصفراوية باستخدام تقنية CRE Balloon، تبع ذلك تركيب دعامة معدنية ذاتية التوسعة (Self-expandable Metallic Stent) تحت إشراف إشعاعي مباشر، مما أسهم في إعادة فتح مجرى القنوات الكبدية، وإنهاء حالة التسمم الدموي الحاد التي كانت تهدد حياة الحاج، الأمر الذي سمح له بمواصلة أداء مناسكه دون أي عوائق صحية.

ويؤكد هذا التدخل الطبي السريع والمتميز قدرة المنظومة الصحية السعودية على الاستجابة الفورية للحالات الحرجة، خاصة في ظل الضغط الذي يصاحب مواسم الحج من حيث عدد الحجاج وكثافة الخدمات، كما يعكس مدى الجاهزية والاستعداد المسبق الذي تعمل به وزارة الصحة ومختلف التجمعات الصحية في المملكة لضمان موسم حج آمن صحيًا.

وتعد العملية الناجحة شاهدًا جديدًا على كفاءة نموذج الرعاية الصحية السعودي الذي تسعى المملكة إلى تطبيقه بشكل شامل، ويقوم على الترابط الإلكتروني بين المنشآت الطبية، وتوفير رعاية مخصصة لكل فئة، وضمان الوصول السريع إلى الخدمة الصحية عند الحاجة، بما يسهم في رفع مستوى جودة الحياة وضمان استدامة جودة الخدمات الطبية المقدمة لجميع المواطنين والمقيمين والزوار، لا سيما الحجاج والمعتمرين.

وفي الوقت الذي تُعد فيه مدينة الملك عبدالله الطبية إحدى أهم المراكز المرجعية في منطقة مكة المكرمة، فإنها تلعب دورًا محوريًا خلال موسم الحج كل عام، نظرًا لما تمتلكه من تجهيزات متقدمة وفِرَق طبية مدرّبة، إضافة إلى تقنيات التشخيص والعلاج الحديثة التي تمكّنها من التعامل مع أكثر الحالات تعقيدًا، مما يجعلها خط الدفاع الأول في مواجهة أي طارئ صحي يهدد حياة الحجاج.

وتأتي هذه الجهود الطبية النوعية ضمن توجهات القيادة الرشيدة – حفظها الله – التي تولي سلامة ضيوف الرحمن أهمية قصوى، وتسعى من خلال مختلف الجهات إلى تسخير الإمكانيات كافة من أجل ضمان أداء مناسك الحج بسهولة ويسر، بدءًا من الوصول إلى الأراضي المقدسة وحتى العودة سالمين إلى ديارهم.

ولا تقتصر هذه الخدمات على الحالات الطارئة فحسب، بل تمتد إلى خدمات وقائية واستباقية تضمن متابعة الحالات الصحية المزمنة وتقديم العلاج المناسب للحجاج المصابين بأمراض القلب أو السكري أو الفشل الكلوي، وذلك من خلال أكثر من 25 مستشفى ومركز رعاية أولية مجهزة في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة.

كما تستفيد وزارة الصحة من تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات في رصد الحالات والتنبؤ بالمخاطر الصحية المحتملة، إلى جانب أنظمة إدارة الأسرّة والربط الإلكتروني بين المستشفيات، مما يعزز من فعالية الأداء الطبي ويوفر تجربة صحية متكاملة للحاج في كل مراحل رحلته.

وتُجسد هذه الحالة الإنسانية واحدة من آلاف الحالات التي تتعامل معها المنظومة الصحية السعودية بكفاءة عالية خلال موسم الحج، وهي شهادة حية على التقدم اللافت الذي أحرزته المملكة في توفير خدمات صحية متقدمة تتماشى مع أعلى المعايير العالمية.

ومع تواصل الاستعدادات لموسم حج هذا العام، تبقى صحة الحجاج في طليعة الأولويات، في ظل نظام صحي راسخ، وتقنيات حديثة، وكوادر طبية متميزة، تعمل جميعها في انسجام تام لضمان موسم حج آمن وصحي لكل من قصد بيت الله الحرام.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية