لتنظيم التصدير وتعزيز العوائد الوطنية: عُمان تُطلق "الشركة العُمانية لتجارة المعادن"

عُمان تُطلق
كتب بواسطة: محمود العادل | نشر في 

في خطوة استراتيجية تُجسد التحول المؤسسي في إدارة قطاع التعدين، أعلنت وزارة الطاقة والمعادن في سلطنة عُمان، اليوم، عن تأسيس "الشركة العُمانية لتجارة المعادن"، كشركة وطنية تُعنى بتنظيم عمليات تسويق وتصدير المعادن العُمانية، في إطار مسعى حكومي لرفع القيمة المضافة من الموارد الطبيعية، وتحقيق تكامل مستدام بين الاقتصاد والبيئة والمجتمع.

والقرار الذي أصدرته الوزارة يأتي في سياق إصلاحي أوسع يستهدف تطوير منظومة قطاع المعادن، وضبط آليات التسويق والتصدير، بما يُمكّن السلطنة من الاستفادة المُثلى من ثرواتها الجيولوجية، ويُعزز من قدرتها التفاوضية في الأسواق العالمية.

ويُعد تأسيس هذه الشركة التابعة لـ"شركة تنمية معادن عُمان"، نقلة نوعية في إدارة سلاسل القيمة للموارد المعدنية، لاسيما خامات الجبس والكروم التي تُعتبر من أبرز صادرات السلطنة.

وبحسب تفاصيل القرار، ستتولى "الشركة العُمانية لتجارة المعادن" مسؤولية مركزية لإدارة عمليات التصدير، بما يشمل توحيد العقود والمواصفات، وجمع الكميات، والتفاوض مع المشترين الدوليين، وفق معايير مهنية مدروسة ترفع متوسط أسعار الخامات المُصدّرة، وتُقلّل من تدخل الوسطاء.

كما سيتم تقنين تصدير خامي الجبس والكروم، مع منح الأولوية لتلبية احتياجات السوق المحلي، وهو ما يُعد خطوة استراتيجية لدعم الصناعات التحويلية المحلية، وضمان استقرار سلاسل الإمداد.

والقرار لم يأتِ من فراغ، بل جاء استجابة لتحديات هيكلية يعاني منها سوق المعادن في السلطنة، وعلى رأسها تعدد الوسطاء وغياب آليات تسويق مركزية، وهذه التحديات أدت إلى تراجع أسعار الخام رغم ارتفاع الإنتاج.

حيث يبلغ عدد التراخيص التعدينية السارية لخام الجبس 15 ترخيصًا بإجمالي إنتاج بلغ نحو 14 مليون طن في عام 2024، بينما يبلغ عدد تراخيص خام الكروم 29 ترخيصًا، بإنتاج سنوي يقدر بنحو 300 ألف طن.

والتنظيم الجديد يهدف إلى معالجة هذا الخلل من خلال إحكام الرقابة على العمليات التسويقية، ورفع مستوى الشفافية في تسعير الخامات، وتحسين كفاءة النقل والتصدير، مما سيُسهم في تقليل التلاعب في الأسعار، وزيادة العوائد الوطنية، وتعزيز بيئة الأعمال المرتبطة بالقطاع المعدني.

وتشمل المهام الموكلة للشركة الجديدة تطوير منظومة متكاملة لإدارة التصدير والتسويق، بدءًا من إجراءات تسجيل الموردين والمشترين، مرورًا بعقود الشراء والتسعير المعتمد على مؤشرات عالمية، وصولًا إلى إدارة الخدمات اللوجستية وضمان مرونة الشحن والتوريد.

وقد تم منح الشركات الحالية فترة انتقالية لمدة عام كامل لإنهاء تعاقداتها واستيعاب النظام الجديد، إلى جانب تنظيم ورش تعريفية وتأهيل كوادر وطنية متخصصة.

وأكد المهندس مطر بن سالم البادي، الرئيس التنفيذي لشركة تنمية معادن عُمان، أن هذا التفويض يُعد محطة استراتيجية تهدف إلى تحسين كفاءة سلاسل التوريد، وضمان عدالة وشفافية الأسعار، بما يُعزز من مكانة سلطنة عُمان في الأسواق العالمية ويُسهم في جذب استثمارات صناعية وتجارية ذات قيمة مضافة.

وأشار البادي إلى أن الشركة ستبدأ تنفيذ برامج تسجيل الموردين والمشترين اعتبارًا من الربع الثالث من عام 2025، تمهيدًا لتفعيل النظام بالكامل في مايو 2026، داعيًا كافة المنتجين والمستثمرين للتواصل مع الشركة لاستكشاف فرص التعاون، سواء في مجال التصدير، أو من خلال شراكات صناعية محلية تُضيف قيمة للخامات قبل تصديرها.

ومن جانبه، قال الدكتور صلاح بن حفيظ الذهب، مدير عام الاستثمارات بوزارة الطاقة والمعادن، إن تأسيس هذه الشركة يُمثل لحظة فارقة في تطوير قطاع المعادن، ويُجسد توجه الوزارة نحو رفع كفاءة إدارة الموارد الطبيعية، عبر إعادة هيكلة منظومة التسويق والتصدير، وتبني نماذج مؤسسية موحدة تدعم الشفافية والمهنية.

وأوضح أن القرار يواجه التحديات السابقة التي أبرزها تعدد الوسطاء، وتفاوت الأسعار، وغياب التنسيق، مما أضعف تنافسية المنتج العُماني. وأضاف أن الشركة الجديدة ستُسهم في تحسين تسويق الخامات العُمانية، ورفع القيمة التصديرية لها، وضمان استفادة الاقتصاد الوطني والمستثمرين بشكل أكبر.

كما أكد الذهب أن هذا القرار يأتي ضمن مسار التحول المؤسسي الذي تبنته الوزارة عقب دمج قطاعي الطاقة والمعادن، والذي شمل تحديث السياسات واللوائح، وتحسين بيئة الاستثمار، وإنشاء قواعد بيانات جيولوجية وطنية، وتفعيل خطط القيمة المحلية المضافة، بما يتماشى مع رؤية عُمان 2040 الهادفة إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام قائم على المعرفة والموارد الطبيعية.

ومن المتوقع أن يُسهم هذا التنظيم الجديد في خلق فرص استثمارية جديدة، وتمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المرتبطة بسلاسل الإمداد، وتعزيز فرص التصنيع المحلي، وخلق وظائف نوعية، فضلاً عن ترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة في قطاع المعادن، ما يعكس تطلع السلطنة نحو بيئة استثمارية جاذبة وعادلة.

ويرى مراقبون أن تأسيس "الشركة العُمانية لتجارة المعادن" قد يُسهم في تحويل قطاع المعادن إلى أحد الروافد التنموية الحيوية في الاقتصاد الوطني، عبر الاستفادة المثلى من ثروات البلاد المعدنية، وضمان توزيع أكثر عدالة وفاعلية للعوائد، فضلًا عن تعزيز المكانة التنافسية للمنتج العُماني في الأسواق العالمية، خاصة في ظل ارتفاع الطلب العالمي على المعادن الصناعية.

وبهذه الخطوة الجريئة، تُثبت سلطنة عُمان من جديد جديتها في تطوير قطاع المعادن، وتحقيق التوازن بين الاستغلال الاقتصادي والاستدامة البيئية والاجتماعية، في إطار رؤيتها الطموحة لبناء اقتصاد يقوم على المعرفة والاستثمار الأمثل في الموارد الطبيعية، ويُتوقع أن يكون لهذه الخطوة تأثير كبير على مستقبل قطاع التعدين في السلطنة، وعلى قدرته في جذب الاستثمارات، وتحقيق قيمة اقتصادية مضافة حقيقية.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية