التخصص يصنع الفرق: دراسة إعلامية تكشف أسرار بناء هوية رقمية مستدامة عبر المحتوى المتخصص

في زمن يشهد فيه الفضاء الرقمي تغيرات متسارعة وتفاعلات لا تهدأ، أزاحت دراسة إعلامية حديثة الستار عن أهمية التخصص في المحتوى الرقمي كعامل جوهري في تشكيل هوية رقمية متماسكة ومؤثرة على شبكات التواصل الاجتماعي.
والدراسة التي قدمتها الدكتورة منى بنت سالم القحطاني، ونالت بها درجة الدكتوراه في الصحافة والإعلام الجديد من كلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ركزت على منصة "تويتر" -أو "X" وفق التسمية الحديثة- كحالة دراسية ضمن بيئة الاتصال السائلة التي لا تعترف بالثبات ولا التكرار، وقد حظيت الدراسة بإشراف الدكتور شجاع البقمي ومناقشة كل من الأستاذ الدكتور عبدالله العساف والدكتور جارح المرشدي، مما يعكس ثقلها العلمي وأهميتها في مجال الإعلام الرقمي.
وتنبع أهمية هذه الدراسة من توقيتها وموضوعها، إذ سلطت الضوء على التحديات التي تواجه صناع المحتوى في خضم زخم رقمي لا يهدأ، حيث يسعى كل حساب إلى إثبات ذاته وبناء صورة ذهنية تستحق المتابعة والثقة.
ومن خلال تحليل محتوى عشر حسابات سعودية متخصصة على منصة "X"، إلى جانب إجراء مقابلات معمقة مع القائمين على تلك الحسابات، قدمت الباحثة تصورًا علميًا يستند إلى المنهج الكيفي والظاهراتي، مع توظيف أدوات التحليل الشبكي والمقابلات المتعمقة، لرصد الديناميكيات الاتصالية التي تسهم في تشكيل الهوية الرقمية، وقد توصلت إلى نتائج محورية تنير الطريق أمام صناع المحتوى والمهتمين بإدارة الهوية الرقمية على مستوى الأفراد والمؤسسات.
ومن أبرز ما كشفت عنه الدراسة أن الحسابات المتخصصة تُظهر نمطًا اتصاليًا ناضجًا يعزز من مصداقيتها لدى الجمهور، حيث تعتمد في الغالب على الأسماء الحقيقية والمعرفات الموثقة، ما يعكس التزامًا أخلاقيًا ومهنيًا يُقرب بينها وبين المتابع.
كما رصدت الدراسة حيوية عالية في سلوك تلك الحسابات من حيث توقيت النشر وتكراره، وتفاعلها السريع مع الأحداث المتجددة، بما يعكس إدراكًا عميقًا لتقلبات مزاج الجمهور وسلوكياته الرقمية، وأوضحت أن القدرة على الحفاظ على هذا الإيقاع النشط من النشر، دون الوقوع في فخ التكرار أو الإفراط، يمثل رهانًا استراتيجيًا لصناعة محتوى رقمي له بصمة وهوية.
وفي السياق ذاته، أكدت الدراسة على أن جودة المحتوى وتخصصه لا تنفصل عن طريقة تقديمه، فاختيار لغة تواصل سلسة وواضحة -سواء كانت بالفصحى المبسطة أو اللهجة البيضاء- يشكل جسرًا فعالًا للتفاعل الإيجابي مع الجمهور.
كما شددت على أهمية فهم السياق الثقافي والاجتماعي الذي يُصاغ فيه المحتوى، إذ أن إغفال هذا البُعد قد يقود إلى جدالات غير محسوبة تضر بالهوية الرقمية وتضعف موثوقية الحساب، ومن هذا المنطلق، دعت الدراسة إلى المواءمة بين التخصص في المجال والمرونة في التناول، بحيث يتم تقديم موضوعات متخصصة بلغة مفهومة تتسم بالحيوية ولا تنغلق على جمهور النخبة فقط.
كما تناولت الدراسة أبعادًا أخرى ذات أهمية في مسار بناء الهوية الرقمية، من بينها الاستخدام الذكي للوسائط المتعددة كأداة لتعزيز الجاذبية البصرية وجعل المحتوى أكثر تفاعلًا وانتشارًا، وأشارت إلى أن الصور، الفيديوهات، والرسوم التوضيحية لا تُعد مجرد عناصر تجميلية، بل هي جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الاتصالية التي تمنح المحتوى مزيدًا من التأثير والحضور.
ولفتت النظر إلى ضرورة الاستخدام المسؤول للإعلانات على الحسابات المتخصصة، إذ أن الانجراف وراء الإعلانات غير المتوافقة مع توجه الحساب قد يهدد الثقة المتراكمة بينه وبين الجمهور، ما يستدعي وضع ضوابط دقيقة لقبول الإعلانات بما يخدم استدامة الهوية الرقمية.
كما تطرقت الدراسة إلى أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة التي يمكن توظيفها في تحليل مشاعر الجمهور واستنباط التوجهات السائدة لديهم، مما يُسهم في إعادة توجيه الرسائل الاتصالية وصياغة محتوى أكثر قربًا من تطلعات المتابعين.
وأوضحت أن هذا النوع من التحليل، إذا ما تم استثماره بذكاء، يُمكن أن يشكل فارقًا جوهريًا في الاستجابة السريعة للمتغيرات الرقمية، ورفع مستوى التفاعل، وتحقيق التواصل الحي الذي يجعل الجمهور جزءًا أصيلًا من هوية الحساب وليس مجرد متلقٍ.
وفي ختام الدراسة، قدمت الباحثة توصيات دقيقة ومباشرة لصناع المحتوى الرقمي والمؤسسات الإعلامية، دعت من خلالها إلى تبني الهويات الرقمية الحقيقية والواضحة، وتشجيع التفاعل الحواري مع الجمهور عبر طرح الأسئلة والاستماع الفعال.
كما شددت على أهمية الاستمرارية في النشر دون الوصول إلى حد الإغراق، مع الحرص على تضمين الوسائط المتعددة والتفاعل السياقي، بما يضمن تنمية الهوية الرقمية على أسس علمية ومهنية، كما أكدت على ضرورة التقييم الدوري لأداء الحسابات الرقمية ومتابعة تطور مشاعر الجمهور لضمان البقاء في قلب دائرة التأثير.
وتأتي هذه الدراسة في وقت أصبحت فيه الهوية الرقمية ركيزة أساسية لكل جهة تسعى للتأثير في الفضاء العام، سواء كانت شخصية فردية أو مؤسسة كبرى، ومع تزاحم الحسابات وتعدد الأصوات، تبرز التخصصية بوصفها مفتاحًا لتمايز المحتوى وتشكيل صورة ذهنية قوية ومستدامة، وهي الرسالة المركزية التي سعت هذه الدراسة إلى ترسيخها على أسس علمية واضحة وعملية قابلة للتطبيق في الواقع الإعلامي الرقمي المتغير.
- حصري | "المريسل" يعلق على منشور لاعب الهلال السابق "سلمان الفرج" بشأن وداع لاعب مانشستر
- تعديلات خط الوسط | يدخل نادي القادسية في مفاوضات مع لاعب خط الوسط "ساماسيكو"
- مفترق طرق بين النصر ورونالدو.. تفاصيل عن مستقبل الأسطورة البرتغالية مع فريقه
- سيكو فوفانا نجم النصر يفضل الدوري الفرنسي على عرض خليجي
- من هو لاعب السعودية الأفضل في خليجي 26؟ نجم المنتخب العراقي السابق يعلن عن رأيه